يُحتجز عشرات السودانيين في السجون المصرية دون محاكمات عادلة، بينما يُبعد آخرون قسرًا إلى وطن تحترقه الحرب، في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية” – هذا ما يكشفه تحقيق “دروب” بناءً على شهادات محتجزين، مبعدين، وأقاربهم.
احتجاز بلا محاكمة
منذ اندلاع الصراع في السودان، فر آلاف اللاجئين إلى مصر بحثًا عن الأمان، إلا أن العشرات منهم انتهى بهم المطاف خلف قضبان السجون. من بين هؤلاء محمد عمر، الذي اعتُقل في ديسمبر 2024 بتهمة ملفقة تتعلق بالاتجار بالعملة، رغم امتلاكه إيصال تحويل مالي رسمي. أمضى أكثر من أربعة أشهر دون عرضه على محكمة، رغم وضعه الصحي المتدهور بسبب مرض السكري وارتفاع ضغط الدم.
أفاد أحد أقربائه: “يفترش الأرض مع ثمانية أشخاص في زنزانة ضيقة، الحمام داخل الزنزانة، والطعام سيء للغاية”. أما محمد نفسه فكشف أن عليه دفع 2000 جنيه أسبوعيًا لـ”الكبير” داخل السجن مقابل الحماية من الاعتداءات.
ظروف احتجاز مهينة
تشير شهادات جمعتها “دروب” إلى تكدس يصل إلى 70 شخصًا في زنزانات لا تتعدى مساحتها 8×4 أمتار، ما يضطر بعضهم للنوم وقوفًا. اللاجئون السودانيون يتعرضون لسوء معاملة متعمد، وابتزاز مالي من سجناء آخرين، وسط غياب الحماية.
الصحفي السوداني علي فارساب، الذي اعتُقل لأكثر من شهرين، تحدث عن منعه من التواصل مع أسرته، وربط يديه وعصب عينيه خلال التحقيق، وحرمانه من الرعاية الصحية. كما روى وفاة أحد السودانيين نتيجة اعتداء داخل السجن، دون فتح تحقيق رسمي.
زيارات مشروطة وابتزاز
يحصل المحتجزون على “زيارة خاصة” فقط مقابل 500 جنيه. في أحد الأقسام، تقف سيدة سودانية تنتظر زيارة زوجها، الذي اعتُقل أثناء ذهابه لاستقبال شقيقتيه من مطار القاهرة. أكدت لـ”دروب” أن المفوضية وعدت بالتواصل دون تنفيذ، فيما تمضي شهور العسل خلف القضبان.
ترحيل قسري وصفقات مشبوهة
يواجه المعتقلون السودانيون خيارين: الترحيل البري المجاني مع الانتظار الطويل، أو الجوي المدفوع عبر السفارة السودانية. عبد الرحمن السيد دفع 11 ألف جنيه مقابل تذكرة ترحيل رغم أن سعرها الحقيقي 9 آلاف، إذ ترفض السفارة قبول تذاكر حجزها ذوو المحتجزين من الخارج.
أكدت السفارة السودانية أن غالبية المبعدين مسجلون لدى المفوضية، ومنهم من كان على وشك السفر للتوطين في دول ثالثة.
خرق للقانون الدولي
اتفاقية 1951 للاجئين والبروتوكول الملحق بها لعام 1967، تمنع احتجاز اللاجئين أو معاقبتهم بسبب دخولهم غير النظامي، وتحظر الإعادة القسرية إلى بلاد قد تهدد حياتهم أو حريتهم. ما يحدث في مصر يمثل انتهاكًا واضحًا لتلك الالتزامات.
مطالبات حقوقية
يوجه تحقيق “دروب” نداءً عاجلاً للمنظمات الحقوقية الدولية والأمم المتحدة لفتح تحقيق شفاف حول الانتهاكات بحق اللاجئين السودانيين في مصر، ومساءلة الجهات المتورطة، وضمان حماية اللاجئين من الاعتقال والتعذيب والترحيل القسري.
هؤلاء اللاجئون لم يطلبوا سوى الأمان – فوجدوا أنفسهم منسيين خلف القضبان.
صحيفة دروب