من ضابط مغمور في الجيش إلى الحاكم الفعلي لدولة تنهار، يرسم عبد الفتاح البرهان ملامح حقبة قاتمة في تاريخ السودان، يتشابك فيها العسكري بالعقائدي، والانقلابي بالحرب الأهلية، في مسار دفع البلاد إلى حافة الفناء.
صعود بزي عسكري
وُلد البرهان عام 1960 في بلدة قندتو بولاية نهر النيل، وتلقى تدريبه العسكري في السودان ومصر والأردن. لمع نجمه في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، خصوصاً خلال الحملات العسكرية في دارفور، حيث ارتبط اسمه بميليشيات الجنجويد، التي تحولت لاحقاً إلى قوات الدعم السريع.
في عام 2015، تولّى الإشراف على القوات السودانية المشاركة في حرب اليمن، ما عزز علاقاته بالقوى الخليجية. ومع سقوط البشير في أبريل 2019، تولى البرهان قيادة المجلس العسكري الانتقالي، متجاوزاً جنرالات كانوا أكثر التصاقاً بالنظام السابق.
انقلاب 2021: خيانة للثورة
في 25 أكتوبر 2021، نفذ البرهان انقلاباً عسكرياً أطاح بالحكومة الانتقالية بقيادة المدنيين. أعاد تشكيل مجلس السيادة على نحو يكرس هيمنة الجيش، واعتقل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. أسفرت حملة القمع التي تلت الانقلاب عن مقتل أكثر من 117 متظاهراً، واختفاء المئات قسرياً، بحسب منظمات حقوقية.
ورغم الإدانات الدولية من الأمم المتحدة والاتحادين الأوروبي والأفريقي، واصلت المؤسسة العسكرية بقيادة البرهان فرض الأمر الواقع بذريعة “الاستقرار”.
من شراكة إلى حرب
في أبريل 2023، انفجر الصراع بين البرهان ونائبه السابق محمد حمدان دقلو “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع، لتتحول الخرطوم ومدن سودانية أخرى إلى ساحات معارك طاحنة. تجاوز عدد القتلى 150 ألفاً، فيما نزح أكثر من 14 مليون شخص – في أكبر موجة نزوح حالياً على مستوى العالم.
وفي دارفور، عادت مشاهد التطهير العرقي التي طُويت صفحاتها مؤقتاً مطلع الألفية. فقط في أرداماتا، قُتل أكثر من 800 شخص في نوفمبر 2023، وسط اتهامات للقوات المسلحة السودانية بارتكاب جرائم حرب ممنهجة.
تحالفات قديمة وظلال الإسلاميين
رغم نفي البرهان انتماءه لحزب المؤتمر الوطني المنحل، تشير التقارير إلى تواصله مع رموز التيار الإسلامي، وعلى رأسهم علي كرتي، أحد أبرز مهندسي نظام البشير. أثار هذا التقارب مخاوف من عودة الإسلاميين بهدوء عبر بوابة العسكر.
لا يزال اعتماد البرهان على الميليشيات إحدى سمات حكمه. وتبقى مجزرة فض الاعتصام في يونيو 2019، حيث اغتُصب وقتل العشرات على يد قوات الدعم السريع، وصمة دامغة في مسيرته.
دولة تتداعى
ألقى انهيار السودان في عهد البرهان بظلاله على المنطقة بأسرها. فرّ ملايين اللاجئين إلى دول الجوار، ما فاقم الأعباء الإنسانية. وعلى الصعيد السياسي، اتهم البرهان علناً دولاً إقليمية بدعم خصومه، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2024.
وفي ظل تقارير عن تسليح أجنبي للفصائل المتحاربة، يلوح خطر تحول النزاع إلى صراع إقليمي بالوكالة، يهدد أمن البحر الأحمر والتحالفات الإقليمية.
الاقتصاد ينهار… والذهب يمول الحروب
تشير تقديرات دولية إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي للسودان بنسبة 18.3% في 2024، بعد تراجع قدره 12% في 2023. انهارت الخدمات الأساسية، وتفشى الجوع.
تفاقمت الأوضاع بعد تقارير عن اتفاقات غامضة لتصدير الذهب السوداني إلى روسيا، ما أثار انتقادات دولية واسعة، في ظل شبهات استخدام العوائد لتمويل الحرب في أوكرانيا.
سردية مهزوزة
يُقدّم البرهان نفسه كحارس للوحدة الوطنية في مواجهة “الإرهاب”، لكنه يواجه اتهامات منظمات حقوقية دولية بارتكاب انتهاكات جسيمة. وفي يناير 2025، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على البرهان وكبار ضباطه بسبب القمع الوحشي ومنع وصول المساعدات الإنسانية.
مقارنة إقليمية
يشبه البرهان في مساره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي جاء أيضاً عبر انقلاب وأحكم قبضته على الحكم. لكنه، بخلاف السيسي، يدمج بين السلطة العسكرية والمرجعيات الإسلامية. أما الحرب السودانية، فتوصف بأنها أشبه بنسخة معقدة من النموذج اليمني – من حيث البعد الإقليمي والانقسام الحاد، ولكن دون وساطة دولية فعالة.
سيناريوهات محتملة
- تعزيز القبضة العسكرية: استمرار الحرب وتوسع نفوذ الجيش، ما قد يدفع البلاد إلى سيناريو سوري طويل الأمد.
- حل تفاوضي: تدخل دبلوماسي قوي يفرض العودة إلى الحكم المدني، على غرار التجربة التونسية.
- حرب إقليمية شاملة: تدخلات أجنبية تُغرق المنطقة في نزاع شبيه باليمن.
ختاماً: وطن في مفترق طرق
ما يُقدّمه البرهان ليس مشروع إنقاذ وطني، بل كابوس ممتد على أنقاض حلم ديمقراطي قُتل في مهده. السودان اليوم ليس فقط ضحية جنرالاته، بل رهينة حرب لا تلوح نهايتها في الأفق. والسؤال المُلِحّ: هل يملك العالم إرادة حقيقية لإنقاذ السودان قبل أن يبتلعه رماد الحروب؟