في أبريل 2023، وبينما كان السودان يعاني من صراع داخلي مستمر بين الفصائل العسكرية، تم الإفراج عن أربعة من أبرز المطلوبين من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في دارفور. الأمر الذي أثار موجة من الغضب والانتقادات بين ضحايا النزاع في دارفور وأعاد طرح التساؤلات حول التزام السودان بالقانون الدولي والعدالة الجنائية.
الإفراج عن مجرمي الحرب
بعد سقوط الرئيس السوداني السابق عمر البشير في عام 2019، كان هناك أمل ضئيل بأن العدالة قد تتحقق أخيرًا لضحايا جرائم الحرب في دارفور. لكن مع اندلاع الحرب في 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، تم إطلاق سراح أربعة من أبرز الشخصيات المتهمين بارتكاب فظائع في دارفور، وذلك بموجب قرار من القوات المسلحة السودانية.
تدور الأسماء الرئيسية حول:
- عمر البشير، الرئيس السوداني السابق المتهم بتدبير الإبادة الجماعية.
- أحمد هارون، وزير الداخلية السابق والمتهم بالتنسيق مع الميليشيات في حملات الإبادة.
- عبد الرحيم حسين، الذي قاد العمليات العسكرية ضد المدنيين في دارفور.
- عبد الله باندا، زعيم المتمردين المتهم بمهاجمة قوات حفظ السلام.
معركة السيادة ضد العدالة الدولية
لم يكن الإفراج عن هؤلاء المتهمين عملاً مفاجئًا فقط؛ بل كان خطوة محسوبة من قبل النظام العسكري السوداني، الذي أصبح الآن متشابكًا مع جماعة الإخوان المسلمين، لضمان تعزيز سلطتهم ودعم الفصائل الموالية. هذا القرار صدم المجتمع الدولي وجماعات الضحايا الذين رأوا فيه خطوة أخرى نحو الإفلات من العقاب.
وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من رفض السودان التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، لجأت الحكومة السودانية إلى محكمة العدل الدولية في نزاعات دبلوماسية أخرى، مما يثير مفارقة واضحة: النظام الذي يتحدى العدالة الدولية في قضية دارفور يسعى الآن للحصول على دعم قانوني دولي.
مقاربة الانتقائية: رفض العدالة والتطلع للمساعدة الدولية
تتمثل المفارقة في أن الحكومة السودانية ترفض التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية بدعوى حماية سيادتها الوطنية، بينما تسعى للحصول على حكم من محكمة العدل الدولية في قضايا أخرى. هذا الموقف يُظهر طبيعة انتقائية في التعامل مع القانون الدولي، حيث يتم القبول بالقانون عندما يخدم المصالح السياسية للنظام ويتم رفضه عندما يتطلب المساءلة عن الجرائم المرتكبة في دارفور.
في الوقت نفسه، تدعي الحكومة السودانية أن القضاء المحلي قادر على محاكمة جرائم الحرب، وهو ادعاء يفتقر إلى المصداقية، نظرًا لعدم وجود أي تحرك فعلي لتحقيق العدالة في داخل البلاد. هذا الوضع يطرح تساؤلات حول قدرة السودان على التزام مبادئ العدالة.
تداعيات الإفراج: التأثير على الإقليم
إطلاق سراح هؤلاء المتهمين ليس مجرد قضية محلية، بل له تداعيات أوسع على استقرار منطقة القرن الأفريقي. يشير البعض إلى أن شخصيات مثل أحمد هارون قد تعمل على إعادة تنشيط الشبكات القديمة، مما يزيد من احتمالية تصاعد العنف في دارفور وجنوب السودان وتشاد.
إن غياب المساءلة يعمق من التوترات الإقليمية، ويُعَدّ بمثابة نموذج للصراع المستمر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يؤدي الإفلات من العقاب إلى تأجيج النزاعات، كما هو الحال في سوريا وليبيا.
الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية
في إطار الانتقادات الموجهة للمحكمة الجنائية الدولية، جادل العديد من الدول الأفريقية بأنها تستهدف القارة بشكل غير متناسب. ولكن الجرائم التي ارتكبت في دارفور لا يمكن إنكارها، وتجاهل العدالة الدولية في هذه القضية يضر بمصداقية الاتحاد الأفريقي.
قد يكون الحل الأمثل هو دعم المحاكم المحلية المدعومة من الاتحاد الأفريقي، على غرار التجربة التشادية في محاكمة الرئيس السابق حسين حبري. كما يمكن أن يلعب المجتمع الدولي دورًا في الضغط على الحكومة السودانية للالتزام بالمساءلة القانونية من خلال آليات دبلوماسية.
اختبار المبادئ: السيادة أم العدالة؟
إفراج السودان عن المتهمين بجرائم الحرب تحت شعار السيادة يطرح سؤالًا أخلاقيًا حادًا. العدالة، بالنسبة للضحايا في دارفور، ما تزال بعيدة المنال. وأولئك الذين تسببوا في المعاناة ما يزالون طلقاء، ما يفتح المجال أمام تزايد التوترات والعنف في المستقبل.
السؤال الأكبر الذي يواجه أفريقيا هو ما إذا كان بإمكان القارة بناء أنظمة محلية للمساءلة تكون مستقلة وفعّالة، بعيدًا عن الضغوط السياسية، بحيث يتم تحقيق العدالة بعيدًا عن التلاعب والمصالح الخاصة. إذا فشل ذلك، فإن عبارة “الحلول الأفريقية للمشاكل الأفريقية” قد تبقى مجرد شعار دون مضمون حقيقي.