تجدد الجدل في الأوساط السياسية والحقوقية السودانية حول هوية الطرف الذي أطلق الرصاصة الأولى في الحرب المستمرة منذ أبريل 2023، وسط مطالبات متزايدة بالمحاسبة وكشف الحقيقة كاملة عن الجهة التي بدأت المواجهات الدامية التي أدخلت البلاد في أسوأ أزماتها منذ الاستقلال.
وفي منشور مثير للجدل على “فيسبوك”، اعتبر القيادي الإخواني محمد السر مساعد أن “الحرب الاستباقية مشروعة”، ملقياً باللوم على قيادة الجيش التي قال إنها “تخشى الإفصاح عن الجهة التي بادرت بإطلاق النار”، معتبراً أن القانون الدولي لا يعاقب من يطلق الرصاصة الأولى إذا كانت للدفاع عن النفس.
غير أن هذا الطرح واجه تفنيداً قانونياً واضحاً من قبل المدير التنفيذي لمعهد جنيف لحقوق الإنسان، نزار عبدالقادر، الذي أكد في تصريح لموقع سكاي نيوز عربية، أن القانون الدولي يحتوي على نصوص صارمة تُدين إشعال الحروب ومرتكبيها، مشيراً إلى أن مجلس حقوق الإنسان شكل بعثة دولية للتحقيق، لكنها لم تحصل على تأشيرات دخول للسودان حتى الآن.
شهادات موثقة من داخل الجيش
وفي تطور لافت، تداول ناشطون وشهود تسجيلاً تلفزيونياً نادراً للعقيد بالجيش السوداني عوض موسى، بثه تلفزيون السودان قبيل مقتله، أكد فيه أن قوة من معسكر الباقير هي التي أطلقت الرصاصة الأولى في منطقة “المدينة الرياضية” صباح 15 أبريل 2023، بعد أن حاصرت قوات الدعم السريع لنحو ست ساعات.
وأكد موسى أن هذه الخطوة جاءت دون تنسيق، مما أدى إلى رد فعل مباشر من قوات الدعم السريع، التي هاجمت معسكر الباقير وسيطرت عليه لاحقاً.
كما أدلى جندي بالجيش يُدعى عثمان محمد عبدالله بشهادة مماثلة، قال فيها إنهم تلقوا أوامر بالتحرك نحو معسكر الدعم السريع قبل ساعات من بدء القتال، رغم أن حالة الاستعداد العسكري كانت قد بدأت قبل شهرين.
وأيد العقيد الركن مصطفى محمد عثمان هذه الروايات، مشيراً إلى أن العملية انطلقت بأوامر من عناصر خارج الجيش، في إشارة إلى مجموعات من النظام السابق، وأضاف أن الحرب لم تكن مخططاً لها بشكل مؤسسي:
“لم تكن هناك خطة واضحة، ومعظم الضباط لم يكونوا على علم بالتحرك، بما في ذلك المفتش العام للجيش”.
تورط تنظيم الإخوان
ويرى الباحث السياسي الأمين بلال أن ما جرى في المدينة الرياضية “كان مرتباً من داخل تنظيم الإخوان”، مستنداً إلى مشاهدات عدة من مقاطع فيديو قال إنها تظهر تورط عناصر إسلامية في إطلاق الرصاصة الأولى.
وأضاف:
“بعد ثورة ديسمبر 2019، كان واضحاً أن العسكر يسعون للالتفاف على الوثيقة الدستورية ورفض تسليم السلطة، بينما استغل تنظيم الإخوان الحرب كفرصة للعودة إلى المشهد السياسي”.
عبلة كرار: الرصاصة الأولى أدخلت السودان في “بئر مظلم”
من جهتها، قالت عبلة كرار، القيادية في حزب المؤتمر السوداني، إن الحرب فُرضت على البلاد من قِبل من وصفهم بـ”المغامرين والفلول”، مضيفة أن:
“رصاصات الحرب الطائشة رسمت واقعاً بالغ القتامة وألقت بالسودان في بئر أسود عميق”.
دعوات لمحاسبة الجناة
وسط هذه الشهادات المتضاربة والمعلومات المتداولة، تتصاعد الأصوات المطالبة بفتح تحقيق مستقل ومحايد لتحديد المسؤوليات عن الانزلاق للحرب، ووضع حد للإفلات من العقاب الذي بات سمة بارزة في المشهد السوداني.