في خطوة من شأنها تعميق عزلة السودان الاقتصادية، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية فرض عقوبات جديدة على خلفية اتهامات باستخدام أسلحة كيميائية من قبل الجيش السوداني، في تطور خطير يُنذر بشلل شبه كامل للنظام المالي في البلاد.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان رسمي مساء الخميس، إنها توصّلت إلى خلاصة مؤكدة بأن الحكومة السودانية استخدمت أسلحة كيميائية عام 2024، ما يُعد انتهاكًا صريحًا لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية. وأوضحت أن العقوبات ستُفعل خلال 15 يومًا بعد إخطار الكونغرس، وتشمل قيودًا صارمة على التمويل والتصدير إلى السودان.
وأكدت تامي بروس، المتحدثة باسم الخارجية، خلال مؤتمر صحفي، أن القرار يأتي استجابة لاستخدام هذه الأسلحة، ما يعكس توجهًا أمريكيًا متشددًا ضد السلطات القائمة في مدينة بورتسودان، والتي تُعتبر المقر الإداري لحكومة الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
عودة إلى العزلة.. وضربة لـ”المصارف”
هذا التصعيد يُعيد السودان فعليًا إلى عزلة مالية شبيهة بعقود العقوبات التي فُرضت خلال حكم عمر البشير، والتي رفعتها واشنطن مؤقتًا عام 2020 بعد سقوط النظام وتشكيل حكومة انتقالية بقيادة عبد الله حمدوك.
وكان السودان قد بدأ منذ 2021 في الاندماج مجددًا مع النظام المالي الدولي، مع اعتماد نظام رقم الحساب المصرفي الدولي (IBAN) والدخول إلى شبكة SWIFT، إلا أن الحرب المستعرة منذ أبريل 2023، والانقلاب العسكري في 2021، أطاحا بتلك المكتسبات تدريجيًا.
ويقول خبير اقتصادي دولي، إن العقوبات الجديدة تشل قدرة السودان على التفاعل مع الأسواق والبنوك العالمية، وقد تُجبر المصارف الدولية على وقف التعامل مع البنوك السودانية خشية التبعات القانونية.
وأضاف أن “انهيار خطوط الائتمان سيؤدي إلى شح في العملات الأجنبية، وارتفاع تكلفة الاستيراد، وتراجع الاستثمارات، مما يفاقم معاناة الاقتصاد السوداني ويقوّض جهود إعادة الإعمار”.
البنك الدولي يلوّح بإغلاق الباب نهائيًا
بالتزامن مع العقوبات الأمريكية، يتهيأ البنك الدولي لإدراج السودان في “المجموعة الثالثة” من الدول التي يمتنع عن العمل معها تمامًا، ما يعني تجميد أي تمويل أو دعم تقني أو إنساني، بما في ذلك البرامج المجتمعية الأساسية.
ويمثل هذا القرار، إذا ما أُعلن رسميًا، إغلاقًا لآخر نافذة دعم دولي محتملة، في وقت تتدهور فيه الأوضاع الاقتصادية والصحية والاجتماعية في مختلف أنحاء البلاد، وتخرج فيه أكثر من 70% من المستشفيات عن الخدمة.
رسائل سياسية واضحة
ترى مصادر دبلوماسية أن هذه العقوبات لا تقتصر على أبعادها الاقتصادية، بل تحمل رسالة سياسية واضحة إلى قيادة الجيش، مفادها أن استمرار التحالف غير المعلن مع الإسلاميين وعودة رموز النظام السابق لن يُمرّر دون ثمن باهظ.
ويواجه السودان حاليًا أزمة مزدوجة: عزلة دولية متزايدة، وصراع داخلي دامي بين الجيش والدعم السريع، تغذّيه تحالفات سياسية وأيديولوجية معقدة.
ويختم الخبير الاقتصادي حديثه قائلاً:
“الرسالة وصلت: لا إعادة تأهيل دولي دون تفكيك التحالف العسكري الإسلامي، ولا دعم دون عملية سياسية جادة توقف الحرب وتنهي عسكرة الحكم”.
خلاصة:
العقوبات الأمريكية والتوجه الجديد للبنك الدولي يضعان حكومة بورتسودان في زاوية حرجة، ويهددان بانهيار شامل للنظام المالي، ما لم يحدث تغير سياسي جوهري يعيد بناء الثقة مع المجتمع الدولي.