أثارت العقوبات الأمريكية الأخيرة ضد حكومة بورتسودان موجة من الجدل السياسي والدبلوماسي، بعد أن ربطتها واشنطن مباشرة باستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية في النزاع المستمر مع قوات الدعم السريع، في خطوة تُمهّد لاحتمالات تصعيد دولي يقوده مجلس الأمن.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان صدر أمس الخميس، إنها توصلت إلى قناعة راسخة بأن الجيش السوداني استخدم أسلحة كيميائية عام 2024، في انتهاك صريح لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، ودعت الحكومة السودانية إلى وقف استخدام هذه الأسلحة فورًا.
وذكرت المتحدثة باسم الوزارة، تامي بروس، أن “الولايات المتحدة ملتزمة بمحاسبة المتورطين في نشر الأسلحة الكيميائية”، في تصريح يُقرأ كمؤشر على تصعيد سياسي أكبر، قد يشمل تدويل الملف.
هل يتحرك مجلس الأمن؟
يرى مراقبون أن العقوبات تتجاوز البعد الدبلوماسي، وتُعد تمهيدًا لخطوات دولية أوسع، من ضمنها فتح تحقيقات أممية وربما تحريك مجلس الأمن، وسط دعوات لتطبيق المادة 13 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بانتهاك الاتفاقيات الدولية.
وفي هذا السياق، قال عثمان فضل الله، المحلل السياسي ورئيس تحرير مجلة “أفق جديد”، لـ”العين الإخبارية”، إن “الاتهام باستخدام سلاح محظور يقوّض شرعية الجيش داخليًا وخارجيًا، ويضعف موقفه التفاوضي”.
وأضاف:
“الانتهاك الأخلاقي والإنساني باستخدام الأسلحة الكيميائية يجعل الجيش السوداني خارج حسابات الشراكة السياسية المقبولة دوليًا، وقد يفتح الباب أمام تحقيقات دولية أو قرارات في مجلس الأمن“.
عزلة دولية أوسع
وأشار فضل الله إلى أن العقوبات الأمريكية قد تتوسع لتشمل حلفاء آخرين، خصوصًا في أوروبا، قائلاً:
“نحن أمام مرحلة جديدة من العزلة الغربية لحكومة بورتسودان، ليس فقط على مستوى التمويل والدعم، بل في كامل العلاقات الدبلوماسية”.
وحذر من أن هذه الخطوة “تُضعف قدرة الحكومة على التفاوض، وتزيد من سخط الشارع، في ظل أوضاع اقتصادية متدهورة، وانهيار شبه كامل للثقة الشعبية”.
كما لم يستبعد فضل الله أن تتحول هذه التطورات إلى أداة تعبئة سياسية داخلية بيد المؤسسة العسكرية، عبر خطاب مقاوم يُصور الأمر كاستهداف خارجي، لكنه وصف ذلك بـ”تكتيك مستهلك الأثر ولا يغيّر من المعادلات الدولية”.
أين وقعت الانتهاكات؟
بحسب مصادر ميدانية ونشطاء سودانيين، فإن الاستخدام المزعوم للأسلحة الكيميائية تركّز في مناطق العمارات (الخرطوم)، جبال النوبة، جبل موية، والضعين.
وقد سبق أن أثارت تقارير صحفية، من ضمنها “نيويورك تايمز”، هذا الملف، مؤكدة أن الجيش السوداني استخدم أسلحة كيميائية على الأقل مرتين، وأن نوع الغاز المستخدم يرجّح أنه غاز الكلور، المعروف بتسببه في اختناق الجهاز التنفسي وقد يؤدي للوفاة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين أن برنامج الأسلحة الكيميائية في السودان محصور في دائرة ضيقة داخل الجيش، وأن القرار باستخدامه تم بموافقة مباشرة من الفريق أول عبدالفتاح البرهان.
قرارات مختطفة.. وتحالفات غامضة
تأتي هذه التطورات في وقت تتهم فيه أطراف محلية ودولية قيادة الجيش بالتحالف مع عناصر من النظام السابق، وعلى رأسهم تنظيم الإخوان المسلمين، في محاولة للعودة إلى الحكم عبر المسار العسكري، وفرض واقع سياسي جديد بالقوة.
ويرى محللون أن القرارات العسكرية باتت مختطفة من قِبل هذا التيار، الذي يستخدم مؤسسات الدولة وأدواتها الأمنية والعسكرية لتصفية حسابات سياسية وإيديولوجية مع خصومه، مما يعرّض السودان لعقوبات وضغوطات متصاعدة.
أزمة إنسانية غير مسبوقة
في ظل استمرار النزاع، يعاني السودان من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية عالميًا، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى نزوح أكثر من 13 مليون شخص، وسقوط عشرات الآلاف من القتلى، وسط انهيار شبه تام للخدمات الأساسية في معظم المناطق.
ويحذّر خبراء من أن استمرار العزلة، وتراجع الدعم الدولي، وتعقيد الوضع الدبلوماسي، سيجعل من إعادة الإعمار والانتقال السياسي أمرًا بالغ الصعوبة في المستقبل القريب.
خلاصة:
العقوبات الأمريكية لا تمثّل مجرد ورقة ضغط على حكومة بورتسودان، بل تُعد بداية لمسار دولي نحو المحاسبة، قد يُفضي إلى تحقيق أممي وتحريك مجلس الأمن، في حال استمر غياب التعاون، مما يُدخل الجيش السوداني في زاوية حرجة سياسيًا وعسكريًا، ويدفع نحو تدويل الحرب السودانية بشكل غير مسبوق.