كشف تقرير حقوقي موسع عن تورط الجيش السوداني في استخدام الأسلحة الكيميائية المحرمة دوليًا في عدد من مناطق النزاع داخل البلاد، في نمط متكرر من الانتهاكات التي تستهدف المدنيين بشكل مباشر، وتُوظف كأداة لقمع المقاومة المسلحة والشعبية ضد سياسات التهميش والهيمنة المركزية.
ويُظهر التقرير، المدعوم بشهادات وتحقيقات ميدانية وأدلة رقمية، أن الجيش لم يتورع عن استخدام هذه الأسلحة ضد السكان في الهامش السوداني، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، ووسط صمت دولي مستمر.
وقائع موثقة: من جبال النوبة إلى الخرطوم
جبال النوبة 2014:
في واحدة من أبكر الشواهد، كشف الباحث الأمريكي “إريك ريفز” عن استعدادات عسكرية لاستخدام أسلحة كيميائية بمنطقة دلامي بجنوب كردفان، في إطار حملة قمع دموية ضد معاقل المقاومة في جبال النوبة.
جبل مرة 2016:
وثقت منظمة العفو الدولية استخدام الجيش لأسلحة كيميائية في 30 هجومًا على مدار عام 2016، ما أسفر عن مقتل أكثر من 250 مدنيًا، بينهم أطفال، عبر قصف بغازات يرجح أنها غاز الخردل، وفقًا لتقارير مدعومة بصور أقمار صناعية وشهادات مباشرة من الضحايا.
الخرطوم 2024:
في تقرير صادر عن الأمم المتحدة في أبريل 2025، تم توثيق استخدام الجيش لأسلحة كيميائية خلال الهجمات على بعض أحياء الخرطوم، عقب استعادته السيطرة عليها من قوات الدعم السريع. الهجمات ترافقت مع تدمير ممنهج للبنية التحتية المدنية، ما يشير إلى سياسة عقاب جماعي.
رد أمريكي متأخر: عقوبات لا ترقى للمحاسبة
أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في مايو 2025 فرض عقوبات جديدة على الجيش السوداني، بعد التحقق من استخدامه غاز الكلور ضد المدنيين خلال معارك 2024. لكن هذه العقوبات، رغم أهميتها الرمزية، لم تصل بعد إلى مستوى العدالة الجنائية الدولية، ولم تشمل مسؤولين كبارًا متورطين في هذه الجرائم.
أداة تطهير عرقي لا “جيش وطني”
يرى مراقبون أن استخدام الأسلحة الكيميائية لم يكن عَرَضًا عسكريًا بل جزءًا من استراتيجية منظمة لإخضاع شعوب الهامش، وتحديدًا في المناطق التي تقاوم سيطرة المركز السياسي المرتبط بالإسلاميين ومجموعات إثنية محددة.
تم توظيف الجيش، وفق التقرير، كأداة تطهير عرقي في قرى نائية، ضد نساء وأطفال ومدنيين عزّل، ما يجعل هذه الانتهاكات ترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
دعوات لتحقيق دولي شامل
يطالب ناشطون ومنظمات حقوقية بضرورة فتح تحقيق مستقل وعاجل في هذه الوقائع، بإشراف الأمم المتحدة ومؤسسات دولية متخصصة، وصولًا إلى محاسبة الجنرالات والقيادات السياسية المتورطة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
ويُختتم التقرير بالتحذير من أن استمرار الإفلات من العقاب قد يُشجع على تكرار هذه الجرائم، في ظل حرب أهلية مفتوحة تعيد إنتاج أسوأ سيناريوهات الإبادة الجماعية في الإقليم.