يبدو أن الحرب التي دخلت عامها الثالث في السودان لم تَعُد تدور فقط بين الجيش وقوات الدعم السريع، بل بدأت نيرانها تتمدد لتطال الصفوف الداخلية للقيادة العسكرية نفسها. فخلف جبهات القتال، تخوض قيادات الجيش صراعًا مكتومًا – أصبح الآن أكثر علنية – بين أجنحة متعددة، أبرزها جناح الإسلاميين، والفريق شمس الدين الكباشي، نائب قائد الجيش السابق.
متحرك “الصياد”: من رمز تعبوي إلى ورقة صراع
متحرك “الصياد” ليس اسمًا عاديًا. فقد أطلق على أحد أبرز التشكيلات العسكرية التي دفعت بها القيادة العسكرية في بورتسودان إلى جبهات كردفان ودارفور، سُمي بهذا الاسم تكريمًا للضابط محمد عبدالله بدوي، من سلاح الكيمياء، الذي قتل في بداية الحرب. المتحرك حُشدت له موارد كبيرة، وقادته قيادات عسكرية مدرّبة على أعلى مستوى، وتقرر أن يشرف عليه الفريق شمس الدين كباشي شخصيًا، نظرًا لخبرته الواسعة في تلك المناطق.
لكن الرياح لم تجرِ كما اشتهت قيادة الجيش. فالمتحرك تعرض لنكسات ميدانية متكررة، آخرها معركة الخوي، التي سقط فيها أبرز القادة الميدانيين بعد استهداف طائرة مسيّرة يُعتقد أنها تلقت معلومات دقيقة عن مكان غرفة العمليات. ومع هذه الهزائم، جاء القرار المفاجئ من القائد العام الفريق أول عبدالفتاح البرهان بسحب ملف “الصياد” من يد الكباشي، ما اعتبره مراقبون خطوة في إطار تصفية حسابات داخلية.
صراع النفوذ: الإسلاميون vs الكباشي
تشير معلومات متقاطعة إلى أن الخلافات بين الإسلاميين داخل المؤسسة العسكرية والفريق كباشي بدأت منذ وقت مبكر، تحديدًا بعد اعتراض ضباط بالجيش على إشراف مدنيين ينتمون لكتائب البراء على العمليات الميدانية. وتصاعد التوتر لاحقًا حول تسليح المواطنين فيما يعرف بـ”المقاومة الشعبية”، وهي الخطوة التي أيّدها الإسلاميون، بينما تحفظ عليها قادة في الجيش على رأسهم الكباشي.
مصادر داخل القيادة قالت إن قرار البرهان بسحب ملف “الصياد” جاء استجابة لضغوط تيار إسلامي نافذ، يرى في الكباشي عقبة أمام سيطرته الكاملة على المؤسسة العسكرية. كما أن بعض تلك الدوائر تتهم الكباشي بالتراخي، بل وحتى بالتسبب في بعض الإخفاقات التي مُنيت بها القوات في كردفان.
ضربة جوية تكشف المستور
في معركة الخوي، تلقت غرفة قيادة متحرك الصياد ضربة دقيقة بطائرة مسيّرة، أودت بحياة قيادات رفيعة، بينهم:
- اللواء مهندس إيهاب محمد يوسف الطيب
- العميد د. محمد بخيت الدومة
- العميد مهندس محمد سر الختم
- الرائد خالد شقالوة، وآخرون
تزامن هذا الهجوم مع خطوة البرهان بإبعاد الكباشي، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان الاستهداف تم بتنسيق استخباراتي من داخل الجيش ذاته. مصادر رجحت وجود اختراق أمني خطير أو تسريب معلومات متعمّد، ما أدى إلى مقتل نخبة قيادات “الصياد” في وقت حساس.
محاولة لاحتكار الإنجاز العسكري؟
رغم الحديث الرسمي عن “إعادة هيكلة” للعمليات، إلا أن محللين يذهبون إلى أن الخطوة هدفها إعادة تركيز الإنجاز الميداني في يد البرهان وحده، وسط تزايد الغضب داخل المؤسسة العسكرية من إدارة الحرب وفشل المسار السياسي. يقول الخبير العسكري سليمان حسب الرسول إن “متحرك الصياد لم يحقق تقدمًا يُذكر، وفشل في فك الحصار عن الأبيض، وأثبتت التجربة أن الخطط بحاجة إلى مراجعة، لا مجرد تغيير القادة.”
هل يتحول الصياد إلى فريسة؟
خلف مشهد الانتصارات الدعائية، تعاني المؤسسة العسكرية من أزمة ثقة وتنازع نفوذ بين قياداتها. ويرى مراقبون أن ما يحدث مع الكباشي يندرج في سياق محاولات أوسع لإقصاء رموز عسكرية لها طموحات سياسية، خاصة مع تزايد الحديث عن ترتيبات ما بعد الحرب، وإعادة تشكيل السلطة في السودان.
وبينما تدور رحى المعارك في كردفان ودارفور، هناك معركة موازية تدور في الخرطوم وبورتسودان: من سيقود الجيش؟ ومن سيقود السودان؟
فهل يكون متحرك “الصياد” آخر جولات حرب النفوذ داخل الجيش؟ أم أولى معاركه العلنية؟ وما إن كان البرهان سينجح في إحكام قبضته على القرار العسكري، أم أن رياح الداخل قد تعصف به قبل أن تنهي الدعم السريع؟
يبقى السؤال معلقًا.. لكن المؤكد أن “الصياد”، بات أقرب للفريسة.