يُعد فض اعتصام القيادة العامة في 3 يونيو 2019 (الموافق 29 رمضان 1440هـ) إحدى أكثر المحطات السوداء في تاريخ السودان الحديث، وبات يشكل عقبة محورية أمام أي محاولة لتسوية سياسية أو انتقال نحو حكم مدني، وذلك لارتباط الجريمة المباشر بعبدالفتاح البرهان وقادة المجلس العسكري الذين كانوا يحكمون البلاد حينها.
جريمة بلا محاسبة
بحسب مراقبين وحقوقيين، فإن القضية لا تزال مفتوحة على المستوى القانوني والأخلاقي والسياسي، إذ لم يُحاسب أي من قادة الجيش، رغم مرور ست سنوات على المجزرة التي راح ضحيتها أكثر من 1200 قتيل، وأصيب خلالها ما يقارب 4000 شخص، بعضهم بإصابات دائمة، وفق تقديرات لجان مقاومة ومصادر طبية مستقلة.
ورغم تشكيل لجنة تحقيق حكومية برئاسة نبيل أديب، إلا أن اللجنة لم تُصدر تقريرها النهائي، ويُتهم المجلس العسكري بالتستر وعرقلة العدالة.
مسؤولية البرهان المباشرة
كان عبدالفتاح البرهان رئيسًا للجنة الأمنية في المجلس العسكري الانتقالي وقت فض الاعتصام، وهو ما يجعل مسؤوليته السياسية والأخلاقية محل تساؤل دائم. ووفقًا لخبراء قانونيين، فإن الجرائم التي ارتُكبت آنذاك، من قتل جماعي، واغتصاب، وتعذيب، وإخفاء قسري، ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية يمكن ملاحقتها أمام المحكمة الجنائية الدولية إذا توفرت الإرادة السياسية.
حجر عثرة أمام التسوية السياسية
يمثل ملف فض الاعتصام عقبة أمام أي مشروع للحوار أو المصالحة الوطنية، خاصة أن أسر الضحايا والناجين يطالبون دائمًا بـ:
- كشف أسماء القادة الذين أمروا ونفذوا الهجوم.
- تسليم المسؤولين للعدالة الوطنية أو الدولية.
- التعويض للضحايا والناجين.
وبالتالي، فإن أي محاولة لتسوية يتصدرها البرهان أو تستند إلى شرعية المجلس العسكري تصطدم مباشرة بهذا الملف.
ذاكرة لا تموت
تُحيي لجان المقاومة وحركات الثورة سنويًا ذكرى المجزرة، وتنظم فعاليات ومواكب تُجدد المطالب بالعدالة، وتُذكّر الشارع السوداني والعالم بأن الدماء التي سالت أمام بوابات القيادة لم تجف بعد. كما يربط كثير من الثوار بين استمرار العنف الحالي في السودان ومناخ الإفلات من العقاب الذي بدأ منذ تلك اللحظة.
خلاصة
يشكّل ملف فض الاعتصام جرحًا مفتوحًا في الوعي السوداني الجمعي، وعقبة مستمرة أمام عبدالفتاح البرهان تحديدًا، لكونه أحد أبرز من تلطخت أسماؤهم سياسياً وأخلاقياً بالحدث. ومادامت العدالة غائبة، سيظل الملف عقبة أمام أي حل سياسي مستقبلي، وسيظل البرهان يواجه سؤالًا لا يسقط بالتقادم: من أمر بفض الاعتصام؟