دخل قرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بمنع دخول مواطني 12 دولة، من بينها السودان، إلى الولايات المتحدة، حيّز التنفيذ اعتبارًا من يوم الاثنين، ما أثار موجة قلق واسعة في الأوساط السودانية والأفريقية، خصوصًا في ظل تأثير القرار المباشر على الكوادر الطبية والطلبة السودانيين.
دوافع القرار: أمنية أم سياسية؟
أرجعت الإدارة الأمريكية قرارها إلى غياب سلطة مركزية فعالة في السودان، تعيق عمليات التحقق من الهوية والفحص الأمني للمسافرين، بسبب الانهيار المؤسسي الناجم عن الحرب الأهلية التي دخلت عامها الثالث.
ووفق بيانات حكومية أمريكية، فإن نسب تجاوز فترة الإقامة القانونية للسودانيين الحاصلين على تأشيرات قصيرة الأمد (“B-1/B-2”) بلغت 26.3%، بينما وصلت إلى 28.4% لحاملي تأشيرات الطلاب والتدريب (“F”، “M”، و”J”). واعتبرت السلطات الأمريكية أن هذه النسب تُشكّل خطرًا أمنيًا وهجريًا.
تأثير كارثي على الكوادر الطبية السودانية
من أبرز الجهات المتأثرة بالقرار هي جمعية الأطباء السودانيين الأمريكيين (SAPA)، التي عبّرت عن قلق بالغ إزاء التأثيرات المباشرة على 80 طبيبًا سودانيًا حصلوا على قبول في برامج الإقامة والزمالة الطبية الأمريكية للعام 2025، وكان من المقرر أن يبدأوا عملهم في الأول من يوليو المقبل.
وأشارت الجمعية إلى أن القرار يهدد مستقبل هؤلاء الأطباء الذين يمثلون امتدادًا مهمًا للجالية الطبية السودانية في المهجر، إضافة إلى كونه انتكاسة لمبدأ تكافؤ الفرص في القطاع الصحي الأمريكي.
كما نبهت الجمعية إلى أن الأطباء المقيمين حاليًا بتأشيرات “J-1” قد يواجهون صعوبات قانونية في السفر ولمّ شمل أسرهم، ما دفعها إلى إطلاق نظام دعم قانوني واستشاري عاجل للأطباء المتأثرين، بالتعاون مع شركاء في قطاع الهجرة والقانون.
دعوات حقوقية ودبلوماسية لمراجعة القرار
لم يقتصر القلق على الداخل السوداني، بل امتد إلى الاتحاد الأفريقي، الذي أعرب في بيان رسمي عن انزعاجه من القيود الجديدة، مشددًا على أن الحظر “يهدد الشراكة طويلة الأمد بين القارة والولايات المتحدة”، و”يعكس نهجًا غير تشاوري في اتخاذ قرارات تمس ملايين من الأفارقة”.
وأكدت المفوضية أن من حق الولايات المتحدة حماية حدودها، لكنها طالبتها باحترام مبادئ التوازن، والاعتماد على الأدلة، والانخراط في حوار بنّاء مع الدول المتأثرة، مشيرة إلى أن مثل هذه القرارات قد تؤثر على:
- العلاقات الدبلوماسية
- برامج التبادل العلمي والطبي
- الاستثمار والتعاون الأمني
ودعت المفوضية واشنطن إلى اتباع نهج تشاركي شفاف لمعالجة جذور الإشكاليات الأمنية أو الإدارية التي قد تكون وراء القرار، مؤكدة استعداد الاتحاد للتعاون في هذا الشأن.
ردود فعل داخل السودان
في الداخل السوداني، أثار القرار خيبة أمل واسعة في أوساط الكفاءات المهنية التي تنظر إلى برامج الهجرة والتعليم الأمريكية كمنفذ للهروب من جحيم الحرب والانهيار المؤسساتي.
ويرى مراقبون أن القرار قد يُضاعف من الاغتراب القسري للسودانيين، خاصة مع تصاعد استهدافهم في دول الجوار، بينما تُغلق في وجوههم واحدة من أكثر الوجهات الاستيعابية للمهاجرين المتخصصين.
خاتمة: استثناء إنساني أم عزل جماعي؟
بين الذرائع الأمنية والمخاوف الحقوقية، يُطرح تساؤل جوهري: هل يشكّل القرار الأمريكي ردًا على الانهيار المؤسسي في السودان، أم هو شكل من أشكال العزل الجماعي للضحايا؟
تُطالب منظمات دولية وحقوقية بمراعاة الاستثناءات الإنسانية والمهنية، وعدم الخلط بين الفشل الحكومي في الخرطوم، والمواطنين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم يحملون جوازًا من دولة انهارت إدارتها.