إبراهيم مطر
ما إن ذاع خبر مقتل الصحفية الشيوعية حنان آدم، في قرية ود عشا في ولاية الجزيرة، حتى خرجت نقابة “عبد المنعم أبو ادريس” المشبوهة ببيان، أكدت فيه أن الصحفية الفقيدة قتلت على يد عناصر من الدعم السريع، ولم يورد “أبو إدريس” في بيانه شواهداً على حديثه ولا قرائن أحوال، ولم يجب على سؤال “كيف حدث ذلك؟”، ببساطة لأن الاتصالات كانت ولا تزال مقطوعة عن القرية، ولا تتوفر فيها حتى خدمة “ستارلينك” التي يستعين بها الناس للحصول على الانترنت، ليظل السؤال قائماً، كيف عرفت نقابة أبو ادريس هوية القاتل؟ بالإضافة إلى حقيقة ثانية تقف في وجه ادعاءات صاحب النقابة المشبوهة، وهي أن القرية لا تشهد تواجداً لأي من أطراف الصراع سواءً الجيش أو الدعم السريع، بحسب ما أورده الناقد الشيوعي “جابر حسين” في نعي للصحفية، نُشر في عدد من المواقع ووسائط التواصل الاجتماعي، قال فيه إن القرية كانت بعيدة كل البعد، عن ساحات المعارك.
وجاء في بيان “أبو ادريس” ونقابته المشبوهة ما يلي:(في جريمة جديدة أقدمت قوات الدعم السريع على قتل الصحفية بوزارة الثقافة والإعلام بولاية الجزيرة ومراسلة صحيفة الميدان الناطقة بلسان الحزب الشيوعي السوداني “حنان آدم” وشقيقها يوسف آدم في منزلهما بقرية “ود العشا” بريف المدينة عرب بمحلية جنوب الجزيرة) .
وإلى هنا ينتهي بيان النقابة دون حيثيات ولا شواهد، ولا حتى قرائن أحوال تشير – مجرد إشارة – أو تدعم فكرة أن الدعم السريع هو من ارتكب الجريمة، بل إن النقابة وفي ذات البيان طالبت بعودة الاتصالات والإنترنت للإبلاغ الفوري عن الانتهاكات، واشتكت كذلك من التعتيم الإعلامي الذي يعيشه السودانيون بسبب انقطاع خدمات الإنترنت والاتصالات. فكيف تيقنت نقابة أبو ادريس من هوية القاتل؟
أما “جابر حسين” فقد كتب على صفحته في منصة فيسبوك بعد أيام من بيان نقابة أبو ادريس ما يلي:(يوم الخميس 5/12/2024 بعد الظهيرة بقليل, في قرية “ود عشا”، المواجهة لقرية ” حليوة ” موطن الشاعر الراحل “محمد طه القدال”، دخل ستة من مليشيا “الجنجويد”، يعتمرون “الكدمول” ومدججين بالسلاح وبالكراهية والشر، أقتحموا أحد المنازل، يبدوا أنهم يقصدونه بالذات دون غيره! لم يكن بالقرية أي مظاهر مسلحة، وليس فيها أيا من طرفي الحرب، مسالمة ومطمئنة ووادعة تشتغل انشغالاتها اليومية وتسعي لتوفير متطلبات حياتهم الفقيرة. في وسط حوش المنزل أمسكوا بصبي صغير من يده بقوة، أصاب الرعب الصبي، وجحظت عيناه وفمه مفتوح بصمت تام، صاح به الممسك به: “أوعك تفتح خشمك وأوعك تتكلم بالشفتو، فااااهم !!”. الخمسة كانوا في داخل المنزل، حين بدأ الصبي يصرخ متسائلاً: “وينوم حنان ويوسف وينوم ؟؟”، دوى صوت ست رصاصات في الداخل، أعقبها طلقة أخيرة، وملأ صراخ حار فضاء المنزل، برهة وكف الصراخ، بدأت جدران المنزل تهتز بينما القتلة يهرولون مغادرين، ملثمون ويهرولون فارين إلي خارج المنزل، ثم أختفوا، لا أثر لهم، لا شيء، في الداخل كانت حنان وشقيقها قتلي والدماء تكاد تغطيهما!!). وإلى هنا ينتهي حديث جابر عن الحادثة.
وإذا استثنينا من كلمات جابر ما ينتمي إلى فن القصة القصيرة – لا إلى الحقائق – لا يتبقى منه إلا إقراره بأن (ستة ملثمين مسلحين دخلوا لمنزل “حنان آدم”، وقتلوها وشقيقها عمداً “مع سبق الإصرار والترصد”، بإطلاق سبعة رصاصات عليهما). ليظل السؤال قائماً “من أين له أن يعرف إن هؤلاء الملثمين، هم من الدعم السريع في قرية لا تشهد تواجداً عسكرياً له من الأساس؟”، هل لأنه استبدل في تدوينته عبارة “ملثمين” بعبارة “يرتدون الكدمول”؟
ويا جابر حسين من هو على معرفة وثيقة بهوية “حنان آدم” ونشاطها وكان يناصبها العداء لسنوات؟ هل هو جهاز الأمن الإخواني الذي يملك لها ملفاً منذ ثلاثين الإنقاذ العجاف؟ أم القادة الميدانيين لقوات الدعم السريع وجنوده الذين لا يعرفون حتى “محمد مختار الخطيب”، رئيس الحزب المختفي منذ أن اندلعت الحرب؟ ولماذا يريد الشيوعيون الذين تأخروا حتى في إصدار نعي لحنان حتى “أحرجهم” بيان نقابة الصحفيين المشبوهة فنعوها على استحياء، أن يقفلوا ملف الجريمة بهذا الاستسهال المخل؟ ونحن هنا لا نتهم أحداً، كما لا نبرئ أحداً أو جهة، لكننا نريد الحقيقة، وكما هو معلوم فإن البحث عن الحقيقة، يقتضي – بالضرورة – أن لا نلوذ بهذه التفسيرات المجانية، والتي تأتي دون مجهود، وبمجرد أن تستبدل كلمة “ملثمين” بعبارة “يرتدون الكدمول”، أو أن تصف قوات الدعم السريع بـ”الجنجويد”، وتذرف الدموع في نص عاطفي بسيط – ينتمي لعصور خلت في أدب الأحزان – على جريمة غامضة، تستدعي التحقق والبحث الحقيقي عن القاتل حفاظاً على حق الفقيدة في القصاص، بدلاً عن أن يقودك تحالف حزبك يا جابر مع كتائب علي كرتي الإرهابية لإهدار دمها بالقول أن الدعم السريع هو من قتلها، فقط لتبرر لنفسك وغيرك عدم الخوض في ما لو خضت فيه لعرفت القاتل، وأشرت إليه بأصابعك العشرة.