أشعلت العقوبات الأمريكية الأخيرة ضد سلطة بورتسودان موجة جديدة من الغضب والجدل المحلي والدولي، وسط اتهامات متصاعدة باستخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية في العاصمة الخرطوم ومناطق من شمال دارفور، مما أدى إلى تلوث المياه وانتشار أمراض قاتلة وارتفاع ملحوظ في عدد الوفيات، وفق شهادات ومصادر محلية وطبية.
وتأتي هذه التطورات في ظل إعلان واشنطن فرض عقوبات مباشرة على الحكومة في بورتسودان، بعد ما قالت إنه “تأكد من استخدام الجيش أسلحة محظورة دولياً”، في خطوة تشير إلى تصعيد غير مسبوق في تعاطي المجتمع الدولي مع أطراف الحرب السودانية.
شهادات ميدانية وتحذيرات بيئية
قال مسؤول أهلي في منطقتي “الكومة” و”مليط” شمال دارفور، في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”، إن الأهالي رصدوا منذ بدء القصف الجوي العام الماضي، تغيرات مقلقة في التربة والمياه وأجسام الضحايا، مضيفًا:
“المنطقة تعرضت لـ129 طلعة جوية، وكانت الجثث تحترق بطرق غريبة، وتتشوه ملامحها بالكامل، كما شهدنا نفوقًا غير طبيعي للحيوانات وتغيرًا في لون التربة والمياه”.
كما أفاد بأن هناك أدلة ميدانية جمعتها الإدارات الأهلية، تشمل صورًا ومقاطع فيديو وشهادات شهود عيان، إلى جانب عينات من المياه والتربة وجثامين محترقة، سيتم إرسالها لجهات دولية متخصصة لإجراء فحوصات مستقلة.
وأشار محمد أحمد جيزو، أحد قيادات الإدارات الأهلية في شمال دارفور، إلى أن فريقه وثق أكثر من 150 حالة إجهاض خلال ستة أشهر فقط في منطقة يسكنها 160 ألف نسمة، مؤكدًا أن “هذه الأرقام غير طبيعية ولا يمكن فصلها عن التلوث الناتج عن استخدام مواد كيميائية”.
شهادات ضباط ومصادر طبية
في سياق موازٍ، أكد ضابط متقاعد في الجيش السوداني أن القوات النظامية استخدمت مقذوفات تحتوي على “غاز قاتل” يتم إطلاقه من بندقية تُعرف محليًا باسم “الكلب الأميركي”، مشيرًا إلى أن هناك مقاطع فيديو موثقة تُظهر استخدام هذه الأسلحة.
كما تحدثت مصادر طبية وبيئية عن زيادة في الأمراض المرتبطة بتلوث الهواء في الخرطوم خلال الأشهر الماضية، بالتزامن مع تصاعد القصف الجوي في أحياء العاصمة، لاسيما منطقة “العمارات”.
صور ومقذوفات مشبوهة
تم تداول صور ومقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، تظهر مقذوفات كُتب عليها “مملوءة بالغاز” أو تحمل علامات تُشير إلى احتوائها على مواد كيميائية. كما أظهرت الصور تغير لون المياه في بعض الوديان، واحتراق النباتات والحيوانات في محيط مواقع الاستهداف.
وبحسب جهات محلية، فإن بعض العينات تم إرسالها إلى مختبرات خارج السودان، بالتنسيق مع منظمات معنية بحظر الأسلحة الكيميائية.
دعوات للتحقيق والمحاسبة
أكدت الجهات الأهلية في دارفور أنها تواصلت مع منظمات دولية لفتح تحقيق دولي مستقل، واعتبرت أن ما جرى “يُعد جريمة حرب مكتملة الأركان”، وفق تعبيرها. وطالبت بإدراج الملف في أجندة مجلس الأمن الدولي وتقديم الجناة للعدالة.
وتأتي هذه التحركات بعد تأكيدات أمريكية سابقة عن استخدام الجيش السوداني لغاز الكلور، وفق ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز في يناير الماضي، استنادًا إلى مصادر في وزارة الدفاع الأمريكية.
خلاصة:
في ظل التدهور المستمر للأوضاع الإنسانية في السودان، تعزز الشهادات والأدلة المتزايدة فرضية استخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية محرمة دوليًا، الأمر الذي ينقل النزاع إلى مرحلة جديدة تتطلب تدخلاً دوليًا حازمًا. وفيما يتحرك الشارع المحلي نحو المطالبة بالعدالة، تتجه الأنظار إلى مجلس الأمن ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، لبحث مدى مسؤولية الجيش في ارتكاب واحدة من أخطر انتهاكات الحرب في السودان.