في لحظة اشتدت فيها نيران الحرب بالسودان وتآكل فيها الأمل الشعبي، انطلقت من العاصمة الأوغندية كمبالا مبادرة جديدة تحت شعار «أصوات السلام»، تقودها طاقات شبابية من المجتمع المدني، تسعى لإعادة تعريف أدوات التغيير وسط العنف المتصاعد، عبر الإعلام الرقمي والفنون الشعبية.
دشّن المبادرة المركز الإفريقي للعدالة ودراسات السلام، بقيادة الناشط ساعد محمد، الذي أكد في مؤتمر إطلاق الحملة أن وقف الحرب لم يعد خيارًا سياسيًا، بل “مطلب وطني”، داعيًا لجعل الشباب في قلب عملية السلام المقبلة، مستفيدين من التجربة الرقمية التي صنعت ثورة ديسمبر.
الإعلام الرقمي.. من صوت المقاومة إلى منصة السلام
ترتكز الحملة على أدوات الصحافة الرقمية والتواصل الاجتماعي، في محاولة لتكرار تجربة الثورة التي قاومت القمع عبر الهواتف الذكية. وتسعى الحملة إلى تدريب شباب من ولايات الشرق، والوسط، ودارفور وكردفان على رصد انتهاكات حقوق الإنسان وتوثيقها، وإنتاج محتوى يدعم ثقافة السلام.
تقول عسجد بهاء، إحدى مؤسسات الحملة، إن المشروع هو امتداد لمبادرة انطلقت في أبريل لتوثيق حالات الاختفاء القسري، مضيفة أن فريق “أصوات السلام” سيصدر تقارير شهرية عن الانتهاكات، في محاولة لفرض مشاركة الشباب في أي عملية تفاوضية مستقبلية.
الحكامات.. من قرع طبول الحرب إلى غناء السلام
تسعى الحملة كذلك إلى إعادة توظيف التراث الشعبي في دعم خطاب التعايش، من خلال دور “الحكامات”، النساء اللواتي طالما كنّ رموزًا لتحفيز المقاتلين في الصراعات القبلية، ليتحولن الآن إلى “حمائم سلام”، عبر الأغنيات والرسائل غير الرسمية.
شهادات من الماضي: كيف ساعد الفن في وقف النزاعات؟
تستلهم الحملة تجارب من رواندا وسيراليون وكولومبيا والنيجر، حيث ساعدت الفنون الشعبية والموسيقى والمسرح المجتمعي في تفكيك العقلية الحربية ودمج المقاتلين في المجتمع.
- في رواندا، استخدمت إذاعات شعبية ومسرحيات متنقلة لتعزيز التسامح بعد الإبادة.
- في سيراليون، ساعدت الموسيقى الشبابية في إعادة تأهيل الأطفال المجندين.
- في النيجر، لعبت “الحكامات” دورًا حاسمًا في نزع فتيل النزاعات الرعوية.
- وفي كولومبيا، استخدمت الأغاني والميديا الرقمية لإقناع المتمردين بتسليم السلاح.
رسالة وسط الدمار
في وقت تستمر فيه الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للعام الثالث على التوالي، تعكس هذه المبادرة إصرار شريحة من الشباب السوداني على إنتاج أمل بديل، بعيدًا عن الفصائل والسلاح والسياسة الدولية المتورطة في تأجيج النزاع.
ففي وطن ممزق، تحاول أصوات من جيل الثورة أن تُسمع من جديد – ولكن هذه المرة، بصوت السلام.