منذ بداية الحرب في السودان في أبريل 2023، شهدت البلاد سلسلة من الانتهاكات الفظيعة التي ارتكبها الجيش السوداني والمليشيات المتحالفة معه ضد المدنيين العزل. وتراوحت هذه الانتهاكات بين القتل الجماعي، والتعذيب الوحشي، وصولاً إلى التطهير العرقي في بعض المناطق مثل الكنابي بولاية الجزيرة.
في الوقت الذي تستمر فيه هذه الفظائع، يُستغل الجيش السوداني شرعيته الزائفة المستمدة من انقلاب 25 أكتوبر 2021 وحرب 15 أبريل 2023، حيث يُظهر نفسه على أنه الجهة الشرعية التي تُحارب من أجل تثبيت الأمن والنظام. وتحت هذه الشرعية، يشن الجيش حملة وحشية ضد كل من يُشتبه في معارضتهم له، مستهدفًا المدنيين في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، كما في ود مدني، حيث وثقت مقاطع فيديو عمليات ذبح جماعي وتعذيب للمدنيين.
أما عن التطهير العرقي، فقد سجلت قرية كمبو طيبة في ولاية الجزيرة واحدة من أبرز الأمثلة، حيث استهدفت مليشيات “درع السودان” سكان المنطقة، وقتلت العديد منهم وأحرقت منازلهم، تحت شعار الكراهية العرقية واتهامهم بأنهم عملاء لقوات الدعم السريع.
المجتمع الدولي، الذي لا يزال يعترف بشرعية الحكومة الانتقالية بقيادة الجيش السوداني، يواجه انتقادات حادة لتعامله المتراخي مع هذه الانتهاكات. فقد امتنع المبعوث الأمريكي توم بيريلو عن إدانة الجيش السوداني بشكل علني، مما منح الجيش والمليشيات المتحالفة معه غطاءً دولياً لاستمرار جرائمهم. هذا الصمت الدولي يُعتبر بمثابة ضوء أخضر للتمادي في العنف والجرائم ضد الإنسانية.
وفي هذا السياق، يُطالب العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية بفتح تحقيقات مستقلة في هذه الجرائم، في حين يتمسك المجتمع السوداني بالمطالبة بمحاسبة المرتَكبين ووقف الجرائم التي تهدد بقاء الشعب السوداني. ومن جانبه، أكد تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية أن ما يحدث في الكنابي يمثل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفقاً للقانون الدولي.
إن استمرار الحرب واستغلال الجيش السوداني للشرعية الدولية الزائفة يُلقي بمسؤولية تاريخية على الأمم المتحدة والولايات المتحدة وكل الأطراف الدولية في تحمل مسؤولية محاسبة مرتكبي هذه الجرائم وضمان العدالة. إذ إن الصمت الدولي في هذه اللحظة لن يكون مجرد حياد، بل سيكون تواطؤاً مع الانتهاكات المستمرة.