بقلم: الجميل الفاضل
ليس السؤال الآن، هو سؤال أديبنا الراحل الطيب صالح، “من أين جاء هؤلاء؟”، إنما سؤال هذه المرحلة هو: “الي أين سيذهب بنا هؤلاء؟”.
لقد وضع هؤلاء الإسلاميين بلادنا اليوم علي شفا التمزق والتفكك والتحلل والذوبان، إذ أنهم قد دحرجوا في الحقيقة السودان بمكر وتدبير خبيث شرير، الي حافة هاوية السقوط المدمر.
علي أية حال، أتصور أننا نعيش حاليا حصاد تجربة مرة جدا، لخصها في بواكير عهدها، الشيخ “أسامة بن لادن” بقوله آنذاك: “إن ما يحدث في السودان، هو خليط بين الدين والجريمة المنظمة”.
إنها إذن الخلطة السحرية للحركة الإسلامية السودانية، التي تلقي بظلالها وآثارها الممتدة علي كافة أوجه حياتنا الي يومنا هذا.
بل أن خلطة سحر هذه الجماعة ربما تتفوق هي، حتي علي سحر الملكين “هاروت وماروت”، الذين قيل أنهما قادران علي أن يفرقا بهذا السحر بين المرء وزوجه.
فالحركة الإسلامية التي أغرقت البلاد في وحل حروب لا تنتهي إحداها، إلا لتبدأ أخري، حروب باغلفة مختلفة، وبديباجات من كل نوع.
فمن حرب دينية جهادية في جنوب السودان أدت في النهاية لإنفصاله، الي حرب أرادوها هذه المرة، عنصرية الطابع جهوية الصبغة، تبرر لهم غاية أن يفصلوا إقليم دارفور هو كذلك.
علي أية حال فإن لعبة “الإخوان المسلمين” تقوم علي مبدأ صناعة خطر ما، لإشاعة مخاوف وتعزيزها بين الناس من وجود هذا الخطر المصنوع أو المصطنع.
إذ لابد أن يقع في روع الناس، تارة أن دينهم في خطر، أو أن مصالحهم في خطر، أو أن وجودهم نفسه قد أضحي هو في خطر أيضا.
هذا الخطر الذي كلما أسرفوا في نقر نواقيسه، ورفعوا درجاته الي أعلي مستوي، دخل أهل السودان كلهم من ثم الي حالة خوف دائم وتوجس من بعضهم البعض.
فأسلوب صناعة أو زراعة وإشاعة الخوف من الاخر الديني، أو الإثني أو المناطقي، هو أسلوب الحركة الإسلامية المجرب، “أسلوب فرق تسد”، الأسلوب الذي تعرف هذ الحركة أنها لولاه لما بقيت في الحكم لأكثر من ثلاثة عقود.
ولذا فإن هذه الحركة تلجأ اليوم لممارسة القتل علي أساس الهوية وبابشع صور يمكن تخيلها، وتطبق ما يعرف بقانون الوجوه الغريبة، وتنتهج سياسات تميزية، تحرم بعض السكان حقوقا أساسية كحق التعليم بفرص متساوية، أو حق التنقل والاقامة في أي جزء من البلاد، أو معاقبة البعض بحرمانهم من الوثائق والأوراق الثبوتية، والعملات التي تتيح التعاملات المالية العادية، كل ذلك يحدث لتعميق فتوق المجتمع بما يهيء الجميع لتقبل فكرة تقسيم البلاد وتمزيقها الي اجزاء أيا كانت صغيرة، بما يكفي أو يتيح لهذه الجماعة الإستمرار في حكم أي جزء من هذه الأجزاء مهما صغر.
وللحقيقة فكلما ثار بوجه هذه الجماعة السلطوية ثائر شيطونه، وعمدوا لطمس هوية ثورته ومعالمها، قبل التشكيك وعدم الإعتراف بثورته كثورة تؤسس لشرعية تنزع عنهم كراسي السلطة، أو بالتشكيك علي الأقل في جدواها وفي جدارة قادتها لصناعة حلم التغيير المنشود.
وكلما تمرد علي سلطانهم متمرد هدد بتمرده عرش حكمهم برمته، ذهبوا الي بتر وفصل مناطق سيطرته عن بقية أراضي الدولة لضمان عدم زوال هذا العرش بكامله علي الأقل، وهكذا دواليك ظل هو ديدن الحركة الاسلامية