في واحد من أبشع مشاهد الانتهاكات التي تشهدها البلاد، توفي المواطن السوداني عبدالسلام تحت التعذيب في قسم شرطة الثورة الرابعة بأم درمان، بعد تعرضه لاعتقال تعسفي وضرب مبرح وحرمان من الطعام والعلاج، في واقعة فجرت غضبًا واسعًا وسط سكان حي الثورة الحارة العاشرة، الذين وصفوا الحادثة بـ”الجريمة المنظمة لانتزاع منزل مواطن بسيط بالقوة والتلفيق”.
بداية القصة: نزاع إيجار بسيط يتحول إلى مأساة
كان عبدالسلام رجلاً بسيطًا، يعيش مع أسرته في منزل متواضع، ويعتمد على تأجير جزء منه لسد رمق عيشه. ذات يوم، نشب خلاف مالي بينه وبين سيدة استأجرت منه غرفة، فطالبها بدفع مبلغ لا يتجاوز 100 ألف جنيه — أقل من نصف إيجار مشابه في الحي.
ردت السيدة بعبارة تهديد صادمة: “سأقيم لك حفلة عديل” — ولم يمضِ وقت طويل حتى تحققت تهديداتها، على يد مجموعة مسلحة من القوات المشتركة.
الكمين: اختطاف من الشارع أمام الجيران
في وضح النهار، هاجم أفراد من القوات المشتركة عبدالسلام أمام منزله، ضربوه وهددوه بالسلاح، وأجبروه على الصعود في “ركشة” وهو ينزف، تحت أنظار الجيران الذين تجمدت أطرافهم من هول المشهد. حاول ضابط من أبناء الحي التدخل، لكنه تلقى تهديدًا بدوره، ولم يوقف الاعتداء إلا تدخل قوة من الجيش قالت للمهاجمين إن ما فعلوه غير قانوني.
بلاغ كيدي بالاغتصاب: سلاح التشهير والابتزاز
رغم إنهاء المشكلة في قسم شرطة التقانة وعودة عبدالسلام لمنزله، فوجئت أسرته في اليوم التالي باستدعائه مجددًا، بعد أن فُتح ضده بلاغ كيدي بتهمة اغتصاب طفلة عمرها 7 سنوات، يُقال إنها ابنة المستأجرة.
لكن الحقيقة كانت صادمة: لا توجد شهادة ميلاد للطفلة، ولا تقرير من طبيب شرعي، فقط فحص مبدئي من طبيب عمومي، دون أدلة أو شهود. ورغم هشاشة البلاغ، تم اقتياد عبدالسلام إلى قسم الثورة الرابعة، حيث بدأت فصول الجريمة الحقيقية.
التعذيب داخل القسم: نار وجوع وابتزاز
داخل القسم، تعرض عبدالسلام لتعذيب وحشي: الحرق في الصلب، الجلد، الحرمان من الطعام والعلاج، بل وتم احتجازه مع شقيق المستأجرة الذي عرض عليه التنازل عن المنزل مقابل إسقاط التهمة.
كانت الشرطة تمنع عنه الزيارة والطعام، ومع تدهور حالته، رفض القسم السماح بنقله للمستشفى حتى آخر لحظة. يوم وقفة عرفة، زاره أقاربه فوجدوه ملقى على الأرض، منهكًا، والنمل يأكل من جسده. لم يتحرك أحد. فقط ضابط من أبناء الحي تدخل وانتزع بصعوبة تصريحًا لنقله إلى المستشفى.
لكن الوقت كان قد فات. في صباح اليوم التالي، أول أيام عيد الأضحى، فارق عبدالسلام الحياة.
محاولات طمس الجريمة: هبوط حاد بدل تعذيب موثق
قامت إدارة المشرحة بتسجيل سبب الوفاة على أنه “هبوط حاد”، رغم آثار التعذيب الواضحة على جسده، بحسب شهود العيان. وتمت محاولات للتعتيم على ظروف الوفاة، وحجب التقارير، وإخفاء الأدلة، وفقًا لأقارب الضحية وسكان الحي.
صوت الحي: “عبدالسلام لم يكن مغتصبًا.. بل ضحية نهب منظم”
أهالي الحي رفضوا الرواية الرسمية، مؤكدين أن البلاغ ملفق، وأن عبدالسلام كان ضحية لاستغلال النفوذ من قبل جهات تمتلك القوة والسلاح وتحظى بتواطؤ بعض رجال الشرطة.
يقول أحد أبناء الحي:
“عبدالسلام رجل فقير.. لكنه كان صاحب كرامة. أراد فقط إيجاره، لا أن يُقتل في قسم شرطة تحت التعذيب… هذه ليست مجرد جريمة، بل فضيحة إنسانية وأمنية”.
مطالب بتحقيق مستقل دولي
مع غياب العدالة المحلية، وتورط عناصر من الشرطة في الجريمة، يطالب أهالي الحي ومنظمات حقوقية محلية بفتح تحقيق محايد ومستقل، يشمل تشريحاً طبياً دقيقاً، ومحاسبة المشاركين في التعذيب، وضمان محاسبة كل من تستر على الجريمة أو حاول طمسها.