إسماعيل هجانة | الحكاية الأعمق من الحرب
حتى اللحظة، ورغم حظر التجوال الذي فرضته مليشيات القوات المشتركة المسنودة من الجيش المليشي، والذين يتخذون من المدنيين دروعًا بشرية لتحقيق نصر إعلامي على حساب أرواح النساء والأطفال، تتواصل عمليات النزوح الجماعي لآلاف المدنيين من مدينة الفاشر ومعسكراتها الرئيسية: أبوشوك، زمزم، وأبوجا، باتجاه المناطق الواقعة غربًا وجنوبًا مثل طويلة، كورما، شنقل طوباية، وأم عدارة، وغيرها من القرى التي باتت الملاذ الأخير للناجين من جحيم القصف والاشتباكات.
النازحون يفرّون بأرواحهم، دون زاد أو مأوى، في مشهد يعيد للأذهان أبشع لحظات الحرب في دارفور، في ظل حرمان تام من الدعم الإنساني، بسبب الحصار العسكري، والتضييق الأمني، ومنع الوصول من قِبل الجيش المليشي والقوات المشتركة.
وتتعمق الجريمة حين يُمنع المدنيون من الإجلاء الطوعي أو الخروج الآمن.
وفي هذا السياق، ناشد الأمين العام للأمم المتحدة بوضوح، بضرورة السماح للمدنيين الراغبين في مغادرة الفاشر بالخروج، وعدم استخدامهم كحطب حرب لا مصلحة لهم فيها.
في الأثناء، تتواتر الأنباء عن حملات اعتقال واسعة النطاق طالت شبابًا وناشطين ومدنيين في معسكر أبوشوك، حيث أكدت مصادر ميدانية أن عناصر من الأجهزة الأمنية المرتبطة بالقوات المشتركة اقتحمت المعسكر، واقتادت عددًا من المدنيين إلى جهات مجهولة، وسط مخاوف حقيقية من التعذيب أو التصفية، في ظل غياب أي رقابة أو محاسبة.
ورغم هذا الوضع بالغ الخطورة، تواصل قوات تحالف السودان التأسيسي، بإرادة ثابتة وانحياز كامل لقيم الإنسانية، تقديم العون الميداني في عمليات الإجلاء والإخلاء الطوعي للمدنيين، مع التركيز على حماية السكان الأبرياء الذين يتعرضون يوميًا للقصف، والمداهمات، وحصار الخوف.
وفي تصريح صحفي مهم، قال رئيس حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي، الهادي إدريس، إنهم يخططون لإجلاء ما يزيد عن 100 ألف أسرة من مدينة الفاشر ومعسكراتها خلال الأيام المقبلة، معتبرًا أن إفراغ المدينة من المدنيين هو السبيل الوحيد للحفاظ على أرواحهم.
وقال إدريس لـ“سودان تربيون”:
“حتى الآن، أجلينا أكثر من 50 ألف أسرة من مدينة الفاشر نحو طويلة وكورما، غرب المدينة.”
هذا التحرك ليس مجرد استجابة طارئة، بل موقف مبدئي من تحالف تأسّس من أجل الناس، لا على حسابهم.
ما يجري على الأرض واجب أخلاقي وتاريخي تجاه من فقدوا كل شيء إلا كرامتهم.
التحالف يؤكد أن حماية المدنيين ليست خيارًا سياسيًا، بل واجب وطني مقدّس لا يسقط بالتقادم، ولا تبرّره أي أجندة عسكرية أو مبررات أمنية.
وهو موقف منسجم تمامًا مع ميثاق تحالف السودان التأسيسي، الذي يضع كرامة الإنسان وحقه في الحياة فوق أي حسابات.
إن ما يجري الآن في الفاشر ليس مجرد أزمة، بل كارثة إنسانية مكتملة الأركان، وتطهير ناعم وصامت لأهالي المعسكرات، يجري تحت أعين العالم، وصمت المنظمات، وتواطؤ النظام الدولي.