في ظل الحرب المستعرة في السودان، حُرم مئات المواطنين من ولايات دارفور من أداء فريضة الحج لهذا العام، وسط تعقيدات أمنية وقيود على التنقل وارتفاع باهظ في التكاليف. وبينما كانت الآمال معلّقة على هذه الشعيرة الدينية كنافذة للخلاص الروحي وسط أتون الحرب، أغلقت الطرق أمام كثيرين بسبب الانتماءات الجهوية، وغياب الوثائق، وخطر الاعتقال.
وبحسب مصادر محلية وشهود عيان، فإن إجراءات السفر المعقدة، خاصة من المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، قد حالت دون حصول المئات على وثائق السفر وجوازات الحج، مع رفض سلطات بورتسودان استقبال طلباتهم، مما تسبب في قلق واسع من الاعتقال أو التمييز.
قال المواطن حمدان محمود جابر من مدينة الضعين إن السلطات في بورتسودان ترفض إصدار الجوازات للسكان القادمين من مناطق تحت سيطرة الدعم السريع، ما زاد من تعقيد المشهد الديني والسياسي. وأوضح أن إدارة الحج والعمرة في شرق دارفور تتمركز حاليًا في بورتسودان، ما يعزل الآلاف عن الخدمات الأساسية المتعلقة بالحج.
أرقام متراجعة وتكاليف باهظة
وفي تصريحات لـ”دارفور24″، قال حمدان آدم البشري، أمين الحج والعمرة في ولاية شرق دارفور، إن عدد الحجاج هذا العام بلغ فقط 49 شخصًا مقارنة بـ1200 قبل اندلاع الحرب، محمّلًا سيطرة الدعم السريع على الولاية مسؤولية ذلك.
في المقابل، اتهمت قوات الدعم السريع الجيش بمنع إصدار الوثائق واعتقال مواطنين بسبب انتماءاتهم المناطقية.
وفي ولاية جنوب دارفور، ارتفع العدد قليلاً إلى 48 حاجًا فقط، وسط تزايد خطر النهب المسلح في طريق الرحلة إلى سواكن، بحسب مسؤول محلي.
تكاليف الحج.. عبء فوق الجراح
وصلت تكلفة الحج هذا العام إلى أكثر من 15 مليون جنيه لبعض الحجاج القادمين من مناطق نائية، فيما تراوحت التكلفة الرسمية بين 11.2 و14 مليون جنيه، ما يعادل أكثر من ضعف التكلفة في العام السابق. وتُعزى هذه الزيادة إلى الانهيار الاقتصادي، وارتفاع أسعار التذاكر، وانتقال مراكز الإجراءات إلى بورتسودان.
قال أحد الحجاج من مدينة برام بجنوب دارفور إنه اضطر إلى تغيير وجهته عدة مرات للوصول إلى بورتسودان، وتعرض للتفتيش والاستجواب المتكرر، في رحلة وصفها بـ”رحلة العذاب الروحي”.
أما المواطنة جميلة كبر من نيالا، فأكدت أنها أعدّت نفسها للحج منذ شهور، لكنها تخلّت عن الفكرة بسبب التكاليف، قائلة: “الطريق إلى بورتسودان وحده يحتاج ميزانية مستقلة”.
واقع مرير في شمال ووسط دارفور
في ولاية شمال دارفور، أكدت إدارة الحج أن 192 حاجًا غادروا إلى الأراضي المقدسة، جميعهم من مناطق خارج مدينة الفاشر التي لا تزال محاصرة منذ أكثر من عام، وفق مصدر مطلع.
أما في ولاية وسط دارفور، فسجّلت الإدارة 104 حجاج، بعضهم اضطر للسفر إلى تشاد ومنها إلى بورتسودان عبر المثلث الحدودي، في رحلة استمرت لأشهر.
قال الحاج علي إبراهيم من زالنجي إنه بدأ رحلته في يناير، ووصل إلى بورتسودان بعد عبور دول، مشيرًا إلى أن الكثيرين عجزوا عن استكمال الإجراءات، واصفًا التكلفة بأنها “مستحيلة”.