في قلب صحراء السودان الشمالية الغربية، حيث تلتقي الحدود مع مصر وليبيا، اندلع فصل جديد من الحرب السودانية، مع إعلان قوات الدعم السريع سيطرتها على مثلث جبل العوينات، وهي منطقة نائية ظلت لعقود على هامش الخرائط الاستراتيجية، قبل أن تتحوّل مؤخراً إلى ساحة مواجهة ذات أبعاد إقليمية ودولية.
فما الذي تعنيه هذه السيطرة؟ ولماذا تمثل العوينات أهمية متصاعدة في الحرب؟
موقع استراتيجي ومكاسب رمزية
يُعد مثلث جبل العوينات من أكثر المناطق عزلة في الصحراء الكبرى، ويقع عند نقطة التقاء الحدود بين السودان ومصر وليبيا. وعلى الرغم من طبيعته الصحراوية القاحلة، إلا أنه يكتسب أهمية استراتيجية نابعة من موقعه الجغرافي، كمنفذ حدودي حيوي، ومن ثرواته الكامنة مثل الذهب والمعادن.
إعلان الدعم السريع السيطرة على المنطقة يأتي في سياق سعيها المستمر إلى فتح جبهات جديدة، خارج نطاق المواجهات التقليدية في الخرطوم ودارفور، وبعيداً عن نفوذ الجيش السوداني. ووصفت الخطوة بأنها “نصر نوعي”، يكرّس حضور القوات في مناطق كانت بعيدة عن المواجهة المباشرة، ويمهد للسيطرة على طرق التهريب والإمداد الصحراوية.
اتهامات وتحذيرات
لم يتأخر الجيش السوداني في الرد، مؤكداً أن انسحابه كان جزءاً من “ترتيبات دفاعية”، لكن الأمر لم يخلُ من توجيه اتهامات مباشرة إلى قوات خليفة حفتر في ليبيا، بمساندة الهجوم عبر “كتيبة سلفية”، في أول إشارة إلى وجود قوات برية غير سودانية على الأرض.
كما اتهمت الحكومة السودانية الإمارات بدعم مباشر للدعم السريع، في تصعيد دبلوماسي جديد يعكس تدويل النزاع وتحوّله إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية.
صراع يتجاوز حدود السودان
تعتبر منطقة العوينات طريقًا رئيسيًا لتهريب البشر والوقود والأسلحة، وتربط بين شرق إفريقيا وشمالها. وقد عبّر مراقبون عن مخاوف من أن تتحول المنطقة إلى قاعدة متقدمة لعمليات التهريب نحو ليبيا ومصر وأوروبا، ما يجعلها مصدر قلق إقليمي متزايد.
وتراقب القاهرة التطورات عن كثب، خشية أن يمتد عدم الاستقرار إلى حدودها الجنوبية، خاصة في ظل غموض التبعية الجغرافية الدقيقة للمنطقة، نتيجة اتفاقيات حدودية غير محسومة تعود إلى الحقبة الاستعمارية.
أبعاد اقتصادية وأمنية
يضم المثلث مناجم تعدين أهلي نشطة، ويوفر طرقاً حيوية لتدفق الوقود والذهب نحو إقليم دارفور وكردفان، مما يجعله شرياناً اقتصادياً غير رسمي مهماً. كما يشكل عمقاً استراتيجياً لتأمين طرق الإمداد بالنسبة لقوات الدعم السريع، ويصعب على الجيش تأمينه برياً بسبب بعده الجغرافي ووعورة تضاريسه، ما يجعله يعتمد بشكل أساسي على الضربات الجوية.
ويرى محللون أن استمرار سيطرة الدعم السريع على المنطقة يمنحها ورقة ضغط استراتيجية، ويقوّض قدرة الجيش السوداني على المناورة، خاصة في حال فتح جبهات إضافية في غرب السودان أو عبر الحدود.
هل يشكل مثلث العوينات نقطة تحول في الحرب؟
بحسب مراقبين، فإن السيطرة على العوينات لا تقتصر على تحقيق مكاسب ميدانية، بل تمثل نقلة في مسار الحرب، تكشف عن نية الدعم السريع توسيع رقعة النزاع نحو مناطق أكثر حساسية جيوسياسياً.
وقد يشكل التوسع في هذه المنطقة مقدمة لتغيرات خطيرة في موازين القوى داخل السودان، ويعيد رسم خريطة التفاعلات بين السودان وجيرانه، خاصة في ظل التوترات بين الخرطوم وأبوظبي، والاتهامات المتزايدة لجهات خارجية بالتورط في تأجيج الصراع.
خلاصة:
سيطرة الدعم السريع على مثلث العوينات تمثل تطوراً نوعياً في الحرب السودانية، إذ إنها تُخرج الصراع من نطاقه المحلي إلى مربع التنافس الإقليمي والدولي. وهي إشارة إلى أن الحرب في السودان لم تعد معركة على الخرطوم فحسب، بل صراع متعدد الأوجه يمتد إلى الصحراء، والموانئ، والحدود، والتوازنات الدولية.