شهد المشهد السياسي السوداني تحولًا مفاجئًا في مواقف الفريق عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، حيث تراجع عن تصريحاته السابقة التي تعهد فيها بعدم السماح لحزب المؤتمر الوطني (حزب الرئيس السابق عمر البشير) بالعودة إلى الحكم. هذا التغيير أثار العديد من التساؤلات حول الأسباب وراء هذا التراجع المفاجئ، وفتح المجال للمزيد من التكهنات حول العلاقة بين الجيش والإسلاميين في السودان.
الضغوط الداخلية وتأثير الإسلاميين
أشار صلاح مناع، مساعد رئيس حزب الأمة القومي، إلى أن البرهان قد يكون تعرض لضغوط شديدة من أطراف إسلامية قوية، من بينها علي كرتي وغيره من القيادات البارزة في الحركة الإسلامية. ووفقًا لمناع، فإن البرهان قد يكون أبدى بعض التصريحات في البداية، لكنه تراجع عنها لاحقًا بسبب التهديدات والضغوط التي تعرض لها. وقد يعكس هذا التراجع حالة من عدم الاستقرار الداخلي في الجيش والحكومة العسكرية، حيث يبدو أن البرهان لا يستطيع اتخاذ قرارات حاسمة بمفرده دون الرجوع إلى الإسلاميين، الذين لا يزالون يمتلكون تأثيرًا كبيرًا على ساحة السياسة السودانية.
المناورة السياسية وتوقعات التحركات المستقبلية
في حديثه لـإرم نيوز، أشار داوود خاطر، المحلل السياسي، إلى أن تصريحات البرهان كانت منذ البداية مناورة غير جادة، حيث لم يكن البرهان عازمًا فعلاً على استبعاد الحركة الإسلامية من السلطة. وفقًا لخاطر، فإن البرهان يستجيب لتوجيهات الإسلاميين، الذين لا يرضون عن أي تصريحات قد تشوه صورتهم في عيون الشعب السوداني.
من جهته، يرى صلاح حسن جمعة، المحلل السياسي، أن البرهان كان يسعى من خلال تصريحاته السابقة إلى إرسال رسائل مضللة للقوى الإقليمية والدولية، ليظهر وكأنه يبتعد عن الإسلاميين. وذكر جمعة أن البرهان كان يأمل في كسب دعم الاتحاد الأفريقي، خاصةً بعد تجميد عضوية السودان في الاتحاد على خلفية الانقلاب العسكري.
التعهدات والمواقف المتناقضة
في تصريحات سابقة، أكد البرهان أن المقاتلين مع الجيش “لا تطمح لهم مطامع سياسية”، وحذر حزب المؤتمر الوطني من استغلال المقاتلين لتحقيق مكاسب سياسية. لكنه تراجع عن هذه المواقف سريعًا، مما يعكس الصراع الداخلي والتأثيرات المتبادلة بين الجيش والحركة الإسلامية.
الخريطة السياسية المقبلة
في أعقاب تلك التصريحات، أعلنت وزارة الخارجية السودانية عن خريطة طريق لما بعد الحرب، تتضمن حوارًا وطنيًا شاملًا يشمل كافة القوى السياسية والمجتمعية. كما دعت إلى تشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة، بالإضافة إلى تعديل الدستور بشكل يضمن مشاركة كافة الأطراف في إدارة المرحلة الانتقالية. ومع ذلك، يظل التساؤل قائمًا حول مدى التزام البرهان بهذه الخريطة، خاصةً في ظل التراجع عن تصريحاته السابقة، وما إذا كان الجيش سيظل تحت تأثير الإسلاميين في المستقبل.
الاستنتاجات
يمكن القول إن تراجع البرهان عن تصريحاته حول مشاركة الإسلاميين في الحكم يعكس حالة من المناورة السياسية التي قد تكون تهدف إلى كسب الوقت أو إرضاء الأطراف الإسلامية. كما يعكس التحديات الكبيرة التي يواجهها البرهان في اتخاذ قرارات مستقلة في ظل وجود ضغط سياسي وعسكري داخلي من قِبل الإسلاميين.