بقلم إسماعيل هجانة
جنوب كردفان – جبال النوبة ليست مجرد إقليم أو منطقة جغرافية على خريطة السودان؛ إنها أيقونة التغيير وملتقى الإرادات الوطنية الحرة. إنها صورة مصغرة لسودان المستقبل الذي نحلم به ونناضل من أجل تحقيقه، سودان يقوم على المواطنة الكاملة، والعدالة الاجتماعية، واحترام التعددية الثقافية والتنوع العرقي والديني.
ظلت هذه المنطقة عبر التاريخ تُعبر عن ثراء السودان بكل مكوناته، إلا أن الأنظمة المتعاقبة تعمدت بشكل ممنهج محاولة تذويب هويتها الثقافية وتقويض وحدتها المجتمعية، عبر سياسات تمييزية وإقصائية، غذّت الصراعات وأشعلت الحروب التي أزهقت الأرواح ودمرت المجتمعات.
ورغم كل هذه المحاولات، لم ينكسر إنسان جنوب كردفان – جبال النوبة؛ بل قاوم بثبات، وتمسّك بثقافته وهويته وإرثه التاريخي، جاعلاً من معاناته منطلقاً لرسم مستقبل جديد يليق بحجم التضحيات التي قدمها. واليوم، مع بروز آفاق التحول الديمقراطي والسلام، تقف جبال النوبة على أعتاب مرحلة تاريخية جديدة، مرحلة عنوانها الأمل والتغيير والتنمية المستدامة.
إن المرحلة الانتقالية التي تشهدها البلاد اليوم ليست مجرد إعادة ترتيب للمشهد السياسي فحسب، بل هي فرصة تاريخية لإعادة بناء الوطن على أسس جديدة. وفي قلب هذا المشروع الوطني الكبير تأتي جبال النوبة كقاطرة ونموذج للتغيير المنشود، بفضل مقاومتها التاريخية وثبات إنسانها وتنوع ثقافتها.
لتحقيق هذا الحلم، يجب علينا جميعاً أن نعمل بإخلاص وتكاتف من أجل بناء نظام حكم ديمقراطي فيدرالي يضمن توزيعاً عادلاً للثروة والسلطة، ويكفل المشاركة الحقيقية لجميع أبناء المنطقة في إدارة شؤونهم المحلية والوطنية. كما يجب علينا تعزيز ثقافة السلام الاجتماعي والتعايش المشترك واحترام التنوع، لتكون جبال النوبة نموذجاً حقيقياً يُحتذى به في السودان الجديد.
إن الدماء الزكية التي سالت في أرض جنوب كردفان – جبال النوبة تدفعنا دوماً للمضي قدماً في طريق التغيير والعدالة، وتذكرنا بأن الأهداف التي ضحى من أجلها الشهداء هي مسؤولية عظيمة علينا جميعاً حملها بأمانة وإصرار. فالتاريخ لا يُبنى فقط بالدموع، بل بالعمل الجاد والرؤية الواضحة والإرادة الصلبة.
فلنرفع جميعاً راية العمل والمثابرة، ولنؤمن بأن مستقبلاً أفضل ممكن وضروري، من أجل إنسان جبال النوبة، ومن أجل السودان الجديد الذي يحتضن الجميع بلا تمييز أو إقصاء، سودان يسوده الأمن والسلام والازدهار، وينعم فيه كل مواطن بالحرية والكرامة والمساواة.
إسماعيل هجانة
١٢ مارس ٢٠٢٥