بقلم: لنا مهدي
تعمل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفق استراتيجية تهدف إلى تحجيم نفوذ الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان لصالح القوى الوطنية والمدنية التي تسعى إلى إعادة بناء السودان على أسس ديمقراطية ويتجلى هذا التوجه في قرار استثناء المساعدات الإنسانية من التجميد الذي فرضه ترامب على برامج المساعدات الخارجية وهو ما يعكس نية الإدارة الأمريكية في توجيه الدعم مباشرة إلى المدنيين دون أن تستفيد منه المؤسسة العسكرية التي تواجه اتهامات بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان واستهداف المدنيين في مناطق النزاع.
يأتي هذا القرار في سياق ضغوط دولية متزايدة على الجيش السوداني حيث يعكس الاهتمام الدولي المتصاعد بالأزمة السياسية والإنسانية في السودان وقد تجلت هذه الضغوط في عقد جلسات إحاطة في مجلس الأمن بطلب من دول مثل الدنمارك والمملكة المتحدة بهدف مناقشة الأوضاع الإنسانية وحماية المدنيين في ظل الصراع المحتدم ما يدل على إجماع دولي متنامٍ ضد سياسات البرهان الذي يصر على استخدام القوة للحفاظ على سلطته رغم الكلفة الإنسانية الباهظة لذلك.
ويبدو أن إدارة ترامب ورغم توجهاتها التقليدية في السياسة الخارجية ترى في دعم القوى الوطنية والمدنية في السودان خياراً استراتيجياً يخدم المصالح الأمريكية على المدى البعيد؛ فالسودان باعتباره دولة ذات موقع استراتيجي مهم يمثل نقطة محورية في معادلات النفوذ الإقليمي وأي تحولات سياسية داخله قد تؤثر على التوازنات في منطقة القرن الإفريقي وشمال شرق إفريقيا.
من الواضح أن الضغوط الدولية على البرهان ستستمر سواء من خلال العقوبات الاقتصادية أو عبر العزل الدبلوماسي ما قد يدفع الجيش التابع له إلى تقديم تنازلات حقيقية للقوى الوطنية وقد يكون هذا هو المسار الأكثر واقعية لفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التغيير السياسي في السودان بعيداً عن هيمنة المؤسسة العسكرية التي حكمت البلاد لعقود طويلة.
إن موقف إدارة ترامب في هذا الإطار يعكس سياسة أمريكية تستهدف تحجيم نفوذ الجيش خاصة بعد تواتر التقارير حول الانتهاكات التي ارتكبها ضد المدنيين وهو ما أدى إلى تعاظم الضغوط من قبل المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية العالمية كما أن هذا الموقف الأمريكي يتناغم مع رغبة العديد من القوى الدولية في دعم تحول السودان نحو الحكم المدني لضمان استقرار طويل الأمد وتحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية المطلوبة.
وفي ظل استمرار مجلس الأمن في عقد جلسات لمناقشة العواقب الإنسانية للصراع تتضح الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات دولية أكثر قوة للحد من تأثيرات الأزمة، بما يتماشى مع توجهات إدارة ترامب في عزل المكون العسكري وحرمانه من أي دعم يمكن أن يطيل أمد سيطرته على السلطة وهذا التوجه يصب في مصلحة القوى الوطنية الساعية إلى إقامة حكم مدني يعبر عن إرادة الشعب السوداني، ويضع حداً لعقود من الحكم العسكري الذي أجهض محاولات بناء دولة ديمقراطية مستقرة.